الراية - هي وهو:
حاورته: حنان بديع
في زاوية من زوايا الوطن، يختبئ كنز لا يُقدّر بثمن، ليس من الذهب أو الفضة، بل من عبق التاريخ وروح الأجداد. هنا، في متحف "فيصل التميمي" التقينا برجل نذر حياته للحفاظ على هذا الإرث العظيم،، لنبحر معه في رحلة عبر الزمن ونتعرف على شغفه الذي تجاوز حدود الهواية ليصبح رسالة.
بدايةً، كيف بدأ شغفك بجمع هذه المقتنيات القديمة؟ ومتى تحولت هذه الهواية إلى فكرة إنشاء متحف خاص؟
لم يكن هناك تاريخ معين لظهور الفكرة فهي مقتنيات موجودة لدي منذ كنت صغيراً، نراها ونحن صغار، هاتف، ثلاجة، كرسي الدراسة، الأشياء التي كنا نشتريها من (الدكان)، البضائع التي كنا نقتنيها والتي كانت تأتي عن طريق البحر من بلاد فارس ومن الهند ثم تغيرت هذه البضائع واختفت من السوق ليحل محلها أشياء جديدة..
مع مرور الزمن 20 أو 30 سنة، فجأة ترى شىء هذه الأشياء أمامك فتعمل الذكريات لتجد لها مكانا في ذاكرتك مثل علبة الشامبو مثلاً والكريم، شكل المسند الذي كنا نستند عليه وبعض الزخارف التي كنا نعلقها على الجدران مثل منظرة الطاووس، هذه الأشياء كالمروحة مثلاً التي استخدمت قديماً قبل ظهور مكيف الهواء، فترى ظهور هذه الأشياء بعد مرور سنوات منذ اختفائها وتعود بك الذاكرة والحنين إلى البدايات.
وهناك أشياء ورثتها من أمي وأبي وكانت محدودة ثم كثرت هذه الأشياء بعد أن أصبحت أقتنيها من دول أخرى كالسعودية والكويت، ثم وجدت أني قد كدست هذه الأشياء في كراتين وأصبحت تمثل كنز يجب أن يتم الاستفادة منه وعرضه، وقبل هذا كله أنا مخرج مسرح تناولت أعمال مسرحية تتناول تاريخ قطر بالذات فكنت أنا من يقوم بعمل الديكورات التي كانت عبارة عن منازل قديمة وأشياء لها علاقة بتاريخ قطر، فاقترح أخي أن أقوم بعمل هذه الديكورات وعرض هذه المقتنيات في مجلس خاص وهذا ما حدث، حتى وجدت المجلس قد تحول إلى متحف له زوّار يقومون بتصويره ثم انتقل اسم المجلس وشهرته إلى خارج قطر من الدول المجاوره، كما أن بعض عشاق السوشيال ميديا قاموا بتصويره والترويج له حتى أصبح أكثر شهرة يأتيه الناس من مختلف الدول العربية والأجنبية.
يضم متحفك مجموعة هائلة ومتنوعة من القطع الأثرية والتراثية. ما هي أبرز أنواع المقتنيات التي تركز عليها، وهل هناك قصة مميزة خلف إحدى هذه ىالقطع؟
كل قطعة لها مكانة وتقدير لدي، لو لم تمتلك هذه الميزة لما وضعتها في المتحف، والأذواق مختلفة عند الناس لذا لا أستطيع أن أميز أحدها على الآخر لكن أستطيع أن أقول أن أحدها أقدم من الأخرى مثلا ولها شهرة أكثر عند الناس، غير القطع التخصصية مثل ميكرفون إذاعي قديم يعود لفترة بدايات الإذاعة، هذه القطعة مثلا يركز عليها المهتمين بهذا الشأن لكن هناك قطع عامة يعرفها الجميع مثل دلة القهوة فهناك (دلة رسلان) بناء على اسم الشخص الذي صنعها وكل دلة لها اسم يرتبط باسم صاحبها أو المكان الذي نشأت فيه، فمثلاً عندي معروضات لأكثر من 69 دلة، كل دلة لها اسم ومغزى وسعر، فهناك الدلة الكويتية، الدلة الغريشية، الدلة الحساوية وهناك الدلة اليكينية والنيجيرية وكل دلة لها اسم وقصة وهناك دلال قديمة لكنها ناردرة.
جمع هذه المقتنيات يتطلب جهداً ووقتاً طويلاً، وربما تضحيات مادية ومعنوية. ما هي أكبر التحديات التي واجهتها خلال رحلة البحث والاقتناء؟
هي متعة أكثر من كونها تحديات، لو أحببنا أن نضعها في خانة التحديات فالتحدي الأبرز هو وجود قطع نادرة دائما ما تخضع للمزاد، والمزاد هو التحدي الوحيد، أن تضع سعر معين في بالك لهذه القطعة ومن ثم فجأة تنزل في المزاد وتدخل في صراع الحصول على هذه القطعة بسعر عالي لأنها نادرة ثم تتوفر بعد ذلك بأسعار أقل وهذه إحدى التحديات التي أواجهها حين أحرص على اقتناء القطع النادرة.
لكل قطعة في هذا المتحف حكاية، وربما تعكس جزءاً من تاريخ المنطقة أو نمط حياة الأجداد. كيف تحرص على توثيق هذه القصص والمعلومات المرتبطة بكل مقتنى؟
التوثيق الحقيقي هو وجود هذه القطعة النادرة في متحفك أو مجلسك أو أمام عينك بشكل يومي، هذا هو أفضل توثيق ، بعد ذلك من الممكن أن يحتاج الأمر إلى أن تضع مجموعة من جمل أو كلمات عن القصص التي تدور حول هذه القطعة لكي يستزيد منها الجيل الحالي والجيل القادم أو من هم لا ينتمون إلى هذه الثقافة.
لا شك أن هذا المتحف يلعب دوراً هاماً في الحفاظ على التراث ونقله للأجيال القادمة. ما هو دور المتحف في نظرك كمركز تعليمي وثقافي للمجتمع المحلي والزوار؟
من الواجب على صاحب المتحف أن يعي دوره كجامع للتحف لأن دوره لا يقتصر على جمع هذه التحف ووضعها وترتيبها وإنما يجب عليه أن يكون على علم ودراية بكل قطعة موجوده، تاريخا، منشأها، والحكمة من ظهروها واستخدامها، وكيف تم صنعها لكي يجيب على أي سؤآل يصدر عن زوّار المكان أو روّاد المتحف حتى تكون هناك صورة متكاملة بين كل قطعة وبين المعلومة المتوفرة، فهناك قطع نادرة ولكن لا نعرف عنها شىء، إنما وضعت للعرض فقط وهذا فيه خطورة كبيرة لأنه في بعض الأحيان قد نجيب على سؤآل بإجابة خطأ بدافع الحماس فقط، لذا فإن الوعي بأهمية كل قطعة مهم جدا.
مع التطور التكنولوجي، هل تفكر في استخدام الوسائل الحديثة، مثل العروض التفاعلية أو الجولات الافتراضية، لجعل المتحف أكثر جاذبية للجمهور، لا سيما فئة الشباب؟
في الوقت الحالي لا توجد خطط لاستخدام الوسائل الحديثة لكن هناك خطط مستقبلية حين يتم نقل المتحف إلى المقر الجديد إنشاء الله، وسيكون مقر دائم لأن مقر المتحف الحالي مؤقت ولا يتسع إلا إلى 10% فقط من المقتنيات المتوفرة لدّي، لذلك التخطيط في استخدام الوسائل الحديثة لابد أن يكون ضمن الخطط لأنك إذا استغنيت عن هذه الوسائل ستكون خارج التاريخ ولن يلتفت لك أحد، وهذه الأمور تمثل عوامل جذب للناس حتى أن البعيد عن هذا المتحف باستطاعته الاضطلاع عليه وهو جالس في مكانه وهذا يزيد من شهرة المتحف ويعمم فوائده والمعلومات المتوفرة عما يحتويه بشكل أكبر.
ما هي رسالتك التي توجهها للناس، لا سيما المهتمين بالتراث وجمع المقتنيات القديمة؟
أهم رسالة أوجهها للمهتمين،، أن الموضوع لا يجب أن يهدف للشهرة فقط بل يجب أن تمتلك الشغف بداخلك وأن تكون مؤمن برسالتك كجامع للتحف حتى تكون رسالتك واضحة للجيل القادم لأنك أحد أهم من قام بجمعها بهدف توثيقها للتاريخ وابراز الهوية الخاصة بكل قطعة لتبرز هويتك كقطري، عليك أن ترصد كل معلومة عن هذه القطع وإذا كان هناك معلومة ناقصة عليك أن تتبع هذه القطع وتاريخها عند أكثر عدد من الناس من كبار السن أو من خلال البحث عنها في الكتب للوصول إلى حقيقة هذه القطعة وأصلها ومن أين أتت حتى أصبحت جزء لا يتجزأ من السمات الثقافية في مجتمعك وبلدك.
في الختام، نشكرك مرة أخرى على وقتك الثمين وهذه الجولة الممتعة في أروقة التاريخ، ونتمنى لمتحفك دوام النجاح والازدهار.
الشكر لكم على اهتمامكم بالتوثيق والموثيقين وهذه المتاحف التي ترفد المتحف الرسمي في الدولة لأنها تعتبر أذرع تكمل الجسم المتكامل في المتاحف عندنا في قطر.



0 تعليق