بدأت دفعات من السوريين بالعودة من السودان في خطوة جاءت بعد رحلة من المعاناة التي فرضتها الحرب المستمرة في السودان منذ نيسان 2023، وما رافقها من تعطل للمؤسسات وصعوبات قانونية واقتصادية دفعت آلاف السوريين إلى انتظار فرصة للعودة أو البحث عن بدائل أخرى.
ويُتوقع أن تصل الدفعة الثانية للسوريين العائدين من السودان اليوم، الاثنين 29 من كانون الأول، بعد أن أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، في 22 من كانون الأول الحالي، وصول أول دفعة إلى مطار “دمشق” الدولي، بالتنسيق مع منظمة الهجرة الدولية (IOM)،
وبحسب ما نشرته الوزارة عبر حسابها على منصة “إكس”، فإن عملية الإجلاء شملت سوريين عاشوا ظروفًا إنسانية صعبة.
وضمت الدفعة الأولى 32 سوريًا، عادوا إلى سوريا بعد فترات إقامة متفاوتة في السودان، تخللتها تحديات معيشية وقانونية.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع وزارة الخارجية والمغتربين للحصول على تفاصيل وآلية العودة، وعدد السوريين المشمولين، لكنها لم تتلق أي رد حتى الآن.
عودة طوعية لا إجلاء
جاءت هذه العودة في ظل أوضاع إنسانية معقدة واجهها السوريون في السودان، منها صعوبة تجديد الإقامات، وتراكم الغرامات المالية، إلى جانب توقف مصادر الدخل وتراجع القدرة على متابعة المعاملات الرسمية.
مدير مركز إيواء “بيت الشباب” في بورتسودان والمتطوع لتسيير شؤون السوريين في السودان وجد غنايمي، قال لعنب بلدي، إن عودة السوريين من السودان التي بدأت لا تندرج ضمن عمليات الإجلاء، بل تأتي في إطار برنامج “العودة الطوعية” الذي تنفذه منظمة الهجرة الدولية (IOM).
وبيّن غنايمي أن المنظمة تتكفل بجميع إجراءات العودة للمستفيدين، حيث تشمل معاملات الهجرة والجوازات، وتسجيل الخروج، وتسوية الأوضاع القانونية، خصوصًا في الحالات التي لا يمتلك فيها بعض السوريين جوازات سفر أو وثائق رسمية مكتملة.
وأضاف أن المنظمة تؤمّن المواصلات داخل السودان حتى المطار، لتغطية تكاليف النقل، إلى جانب تغطية جميع نفقات السفر، وتوفير كادر طبي مرافق خلال الرحلة.
وبحسب غنايمي، تتم الرحلة جوًا عبر مسار ترانزيت يبدأ من بورتسودان إلى الدوحة، ثم من الدوحة إلى دمشق، برفقة مرافقين من منظمة الهجرة الدولية فرع السودان، حتى تسليم المسافرين إلى فرع المنظمة في سوريا.
وأكد غنايمي أن برنامج “العودة الطوعية” يقوم على مبدأ الرغبة الشخصية، حيث يوقع المستفيدون على وثيقة تفيد بعودتهم بكامل إرادتهم.
وأشار إلى أن رحلة جديدة ضمن برنامج “العودة الطوعية” ستنفذ اليوم، الاثنين 29 من كانون الأول، ومن المتوقع أن تضم 41 مسافرًا.
ظروف إنسانية قاسية
قال أحمد بالطو، سوري مقيم في مركز إيواء “بيت الشباب” في بورتسودان، إن انتظار العودة طال على نحو يفوق قدرته على الاحتمال، في ظل تأجيل شمول فئات واسعة من المقيمين ضمن برنامج “العودة الطوعية”.
وفقًا لأحمد، فإن الأولوية حاليًا تمنح للحالات الأشد صعوبة، على أن يأتي دور الشباب لاحقًا.
وأضاف أنه راجع مكتب منظمة الهجرة الدولية مؤخرًا، حيث أبلغ بأن ملفه لا يزال مؤجلًا، معربًا إحباطه “الشديد” نتيجة طول الانتظار وعدم وضوح الموعد.
الغياب الطويل، والعيش في ظروف قاسية داخل مركز الإيواء، فاقما شعور أحمد بالقلق والتعب النفسي،بحسب قوله، مضيفًا أن أكثر ما يثقله هو عدم معرفته متى سيتمكن من العودة ولم شمله مع أسرته.
الأوضاع الصحية والمعيشية داخل المركز تشهد تدهورًا متزايدًا، في ظل انتشار أمراض بين المقيمين، وسط ضعف القدرة على الحصول على الرعاية اللازمة، بحسب أحمد.
وقال إن معظم القاطنين يعانون أوضاعًا صحية صعبة، في وقت بات فيه تأمين الغذاء اليومي تحديًا بحد ذاته، إذ إن ما يحصل عليه الفرد بالكاد يكفي لسد الحاجة، في ظل شح الموارد وغياب مصادر دخل ثابتة.
هذه الظروف فاقمت الضغط النفسي على المقيمين، خصوصًا مع طول فترة الانتظار وعدم وضوح مواعيد العودة، معتبرًا أن الواقع الصحي والمعيشي الحالي يجعل البقاء في المركز أكثر قسوة يومًا بعد آخر.
سوريون يلجؤون إلى بدائل
في مقابل برنامج “العودة الطوعية” الذي تنفذه منظمة الهجرة الدولية، اختار بعض السوريين العودة على نفقتهم الخاصة بعد استكمال أوراقهم، دون انتظار مواعيد الدفعات المنظمة.
وقال مهند الحمصي، سوري كان مقيمًا في السودان، إنه حجز تذكرة سفر إلى سوريا على نفقته الخاصة عبر رحلة ترانزيت على متن الخطوط الجوية السعودية، انطلقت من بورتسودان إلى جدة، ومنها إلى سوريا.
وأضاف لعنب بلدي أن تكلفة الرحلة بلغت نحو 480 دولارًا أمريكيًا، ولفت إلى أن قراره بالعودة جاء رغبة بـ“العودة الفورية” بعد الانتهاء من الإجراءات المطلوبة.
وكان مئات السوريين المقيمين في السودان واجهوا، خلال الفترة الماضية، صعوبات في تسوية أوضاعهم القانونية، نتيجة تراكم الغرامات وتعطل المؤسسات الرسمية، الأمر الذي دفع بعضهم إلى محاولة المغادرة بطرق غير نظامية إلى مصر، في حين انتظر آخرون تدخلًا رسميًا أو دعمًا من الجهات المعنية.
وكانت وزارة الداخلية السودانية أعلنت، في 3 من كانون الأول الحالي، بدء تنفيذ قرار يقضي بإعفاء أفراد الجالية السورية من جميع مخالفات وغرامات الإقامة.
وقالت إن الخطوة تهدف إلى تخفيف الأعباء الإجرائية عن السوريين المقيمين في البلاد.
وبحسب ما نقلته وسائل إعلام سودانية، دخل القرار حيّز التنفيذ اعتبارًا من 25 من تشرين الثاني الماضي، ولمدة 50 يومًا، بما يتيح للسوريين تسوية أوضاعهم القانونية دون دفع الغرامات المتراكمة.
وشمل الإعفاء السوريين الذين دخلوا السودان أو أقاموا فيه قبل 15 من نيسان 2023، وهو تاريخ بدء الحرب في البلاد.
ووفق ما أعلنته سفارة السودان في دمشق، أقر القرار رسميًا، مع توجيه الجهات المختصة في السودان إلى تسهيل تطبيقه وضمان تنفيذ إجراءاته خلال المدة المحددة.
أخبار متعلقة :