عنب بلدي – محمد كاخي
بينما تمضي السلطة التنفيذية في إدارة شؤون الدولة وإصدار مراسيم تمس جوانب قانونية واقتصادية في سوريا، يبقى مجلس الشعب غائبًا عن المشهد، تاركًا خلفه فراغًا تشريعيًا ينتظر اكتمال نصاب أعضاء المجلس للبدء بالعمل.
وبالرغم من أن وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قال، في 2 من تشرين الثاني الماضي، إن أول جلسة للمجلس الجديد ستكون في نهاية الشهر نفسه، فإن المجلس لم يتم تشكيله بعد، ولا يزال بانتظار الأعضاء الذين سيعيّنهم رئيس الجمهورية.
الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قال في أثناء زيارته إلى مدينة حلب، في 30 من تشرين الثاني الماضي، إن تأخر الإعلان عن الأعضاء الـ70 الذين سيختارهم يعود إلى تعقيدات مرتبطة بآلية الاختيار والواقع المجتمعي القائم، وأشار إلى أن الاستقطاب الاجتماعي في سوريا قد يؤدي إلى نتائج لا تعبّر عن كامل المجتمع، ما استدعى التريث ودراسة الخلل الناتج عن العملية الانتخابية بدقة قبل استكمال التشكيل.
وأضاف الشرع أن الهدف ليس تشكيل مجلس شكلي قائم على التوازنات فقط، بل اختيار أشخاص يمتلكون خبرة وقدرة حقيقية على سن القوانين، في مرحلة وصفها بأنها مرحلة إعادة بناء الدولة وصياغة قانون ورؤية جديدة تتلاءم مع الواقعين الإقليمي والدولي.
كيف تُسنّ القوانين اليوم؟
لا يتيح الإعلان الدستوري الذي صدّق عليه الرئيس السوري، أحمد الشرع، في آذار الماضي، أي آلية لسن القوانين خارج إطار السلطة التشريعية، وتقتصر صلاحيات السلطة التنفيذية على إصدار المراسيم التنظيمية والإدارية والفردية، لا القوانين.
الباحث في مركز “الحوار السوري” نورس العبد الله، قال لعنب بلدي، إنه لا يمكن للسلطة التنفيذية إصدار أي قانون مع غياب السلطة التشريعية، ولا يوجد أي اجتهاد فقهي رصين يتيح لها ذلك، وما تملكه السلطة التنفيذية اليوم هو إصدار المراسيم التنظيمية، أو الإدارية، والمراسيم الفردية، وليس إصدار القوانين.
وتابع أنه من حيث المبدأ، فإن كل ما صدر كان تحت ضغط “الضرورة الواقعية”، ومع تأخر تشكيل مجلس الشعب، يجب التمييز بين نمطين:
- الأول، المراسيم التي تدخل في إطار عمل السلطة التنفيذية كالتعيينات وما يضمن حسن سير الإدارة العامة وغيرها.
- الثاني، المراسيم ذات الطابع التشريعي التي ستطرح لاحقًا على طاولة مجلس الشعب كمشروع قانون مقدم، وفي حال إقرارها تصدر لاحقًا كقانون.
ويرى الدكتور في القانون العام أحمد قربي، أن الإعلان الدستوري لم يضع أصلًا أي آلية مؤقتة لسد الفراغ التشريعي، ما جعل البلاد تعتمد بالكامل على مراسيم تصدر عن رئاسة الجمهورية كحل استثنائي فرضته الحاجة، لكنه يظل بلا سند دستوري واضح.
ويذهب الأستاذ في القانون الدستوري سام دلة، إلى أن ما يصدر اليوم يندرج ضمن “تشريعات أمر واقع” صادرة عن سلطة غير دستورية، ولا تحترم حتى القواعد التي وضعها الإعلان الدستوري نفسه، مشككًا في قدرة أي مجلس شعب مُعيّن لاحقًا على إحداث تغيير جوهري، إذ يرى أنه سيكون أقرب إلى أداة تصديق على ما صدر، لا سلطة مراجعة مستقلة.
قابلية الطعن والمراجعة
يطرح غياب مجلس الشعب، ومعه غياب قضاء دستوري مستقل، سؤالًا حول قابلية المراسيم الصادرة اليوم للطعن أو المراجعة مستقبلًا.
وفي هذا الشأن، يرى الدكتور في القانون العام أحمد قربي، أن “البرلمان المقبل” يمتلك صلاحية مطلقة تجاه كل ما صدر منذ الإعلان الدستوري، سواء بالإلغاء أو التعديل أو الإبقاء، مستندًا إلى المادة “30” من الإعلان الدستوري التي تحصر هذه الصلاحيات بالسلطة التشريعية، ما يجعل المراجعة ممكنة ضمن الإطار البرلماني.
بالمقابل، يشكك الأستاذ في القانون الدستوري سام دلة، بجدوى هذا المسار برمته، إذ يرى أن أي مجلس يُشكَّل بآلية تعيين من السلطة التنفيذية لن يشكّل ضمانة فعلية للمراجعة، بل سيكرس التشريعات القائمة، مضيفًا أن غياب آليات قضائية مستقلة، وعلى رأسها محكمة دستورية عليا منبثقة عن مسار وطني، يجعل الحديث عن الطعن أمام القضاء أقرب إلى نقاش نظري بلا قيمة عملية.
مخاطر الفراغ التشريعي
تواصل الحكومة السورية إدارة شؤون البلاد بالاستناد إلى القوانين النافذة في عهد النظام السابق، مع إدخال التعديلات التي نص عليها الإعلان الدستوري، في ظل عجز الحكومة الجديدة عن مقاربة الملفات التي تستوجب تشريعات حديثة، نتيجة غياب سلطة تشريعية قادرة على سنّ القوانين أو التصديق عليها بما ينسجم مع الواقع المستجد.
وقد أفضى هذا الفراغ إلى صدور قرارات لا تحظى بسند تشريعي واضح، وبعضها يتعارض مع الأطر الدستورية السابقة، كما انعكس غياب المجلس التشريعي على عمل السلطة القضائية، التي تواجه اليوم شللًا جزئيًا في البت بقضايا عديدة لافتقارها إلى قوانين تستند إلى مرجعية تشريعية قائمة.
يرى الباحث في مركز “الحوار السوري” نورس العبد الله، أن غياب السلطة التشريعية اليوم أنتج فجوة كبيرة لا بد من أن تنتهي بأسرع ما يمكن، وأضرار تأخر تشكيل مجلس الشعب أكبر من فوائد الانتظار، لكن المخاطر القانونية ليست حاضرة لدرجة كبيرة، بحسب العبد الله، لأن تصديق أو رفض أي قوانين أو اتفاقيات مستقبلية سيكون حكرًا على المجلس ضمن اختصاصه وإن تأخر ذلك، وهذا أيضًا قد يكون من أوجه التكامل بين السلطات في هذه المرحلة الحساسة، ومما يخفف الضغط عن السلطة التنفيذية في السياق الانتقالي.
عضو اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب أنس العبدة، قال إن نحو 800 قانون سارٍ في سوريا تسبب ضغطًا كبيرًا على المواطنين والوزارات وتحتاج إلى إعادة نظر للتعديل أو الإلغاء.
وأضاف العبدة في مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية” الحكومية، في 1 من تشرين الثاني الماضي، أن القوانين والتشريعات تمرر وفق موافقة الأغلبية أو الثلثين عند الحاجة، مشيرًا إلى أن المجلس سيعمل على إقرار قوانين تعزز الخدمات وتخفف الأعباء عن المواطنين.
مصير الاتفاقيات الدولية
أبرمت الحكومة السورية خلال الفترة الماضية سلسلة من الاتفاقيات باسم الدولة السورية، في وقت كانت فيه البلاد تفتقر إلى سلطة تشريعية قائمة تُخوَّل دستوريًا بالتصديق على هذا النوع من الالتزامات.
وبينما يجيز الإطار الدستوري للسلطة التنفيذية توقيع الاتفاقيات، فإن نفاذها القانوني يظل مشروطًا بعرضها على مجلس الشعب وإقرارها، ولا سيما تلك التي ترتب التزامات طويلة الأمد أو تمس السيادة والموارد العامة.
بحسب الباحث في مركز “الحوار السوري” نورس العبد الله، فإنه عند الحديث عن الاتفاقيات الدولية، نحن نحتاج للتوقف عند قضيتين:
- الأولى: ما جاء في الإعلان الدستوري.
- الثانية: مبادئ القانون الدولي العام.
فعلى صعيد الإعلان الدستوري، جاءت المادة “30” لتنص بوضوح على اختصاص مجلس الشعب بالتصديق على المعاهدات الدولية، وهو إجراء لاحق للتوقيع الذي يرتبط بالسلطة التنفيذية.
وتابع العبد الله حديثه إلى عنب بلدي بقوله، لكن ثمة نوعًا آخر من المعاهدات والاتفاقيات وهي ما تُعرف بالاتفاقيات بالشكل البسيط أو الاتفاقات التنفيذية أو الفنية، والتي لا تتطلب تعديلًا قانونيًا أو ترتب التزامات تشريعية أو قضايا تمس السيادة كالحدود مثلًا، وهذه لا تحتاج إلى التصديق.
ويرى الدكتور في القانون العام أحمد قربي، في حديثه إلى عنب بلدي، أنه وبموجب المادة “30” من الإعلان الدستوري، فإن إقرار المعاهدات الدولية هو من اختصاص “البرلمان”، لذا فإن توقيع أي اتفاقية ترتب التزامات اقتصادية أو عسكرية أو أمنية على البلاد، يفترض عرضها عليه حتى تأخذ الصفة القانونية، وقبل عرضها على “البرلمان” لا تعتبر الاتفاقية ملزمة للدولة السورية بموجب الإعلان الدستوري، والوضع القانوني لأي اتفاقية دولية يتم توقيعها دون موافقة “البرلمان” يبقى “ناقصًا”.
أخبار متعلقة :