تؤدي ريادة الأعمال دوراً محورياً في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز الابتكار، إلا أنّ رواد الأعمال يواجهون تحديات تتجاوز حدود التمويل أو توافر الأفكار، حيث تؤثر الأطر التنظيمية والإدارية بشكل مباشر على أداء المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما تسهم الإجراءات والأنظمة التقليدية في تشكيل طبيعة عمل المبادرين وتوزيع جهودهم اليومية.
وفي ظل هذا الواقع، تتقاطع تجارب المبادرين بين الطموح العالي والتحديات التنظيمية والاقتصادية التي تفرضها بيئة العمل.
ريادة الأعمال
وتؤكد آراء المبادرين الذين تحدثت معهم «الجريدة» أن نجاح ريادة الأعمال لا يرتبط بعامل واحد، بل بمنظومة متكاملة تشمل التخطيط السليم، والتمكين المؤسسي، ووضوح السياسات، إلى جانب دعم حقيقي يواكب تطلعات المبادرين.
ومع ما يملكه الشباب الكويتيون من طاقة وقدرة على الابتكار، يبقى تطوير البيئة التشريعية والإدارية عنصراً أساسياً لتحويل الأفكار إلى مشاريع مستدامة تسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني ودفعه نحو آفاق أوسع.
وفي هذا السياق، أكد الرئيس التنفيذي لشركة تلق لأدوات زينة السيارات، يوسف الحسينان، في حديثه مع «الجريدة»، أن دراسة الجدوى تتطلب مهارات محددة في إعدادها بحيث تكون متناسبة مع أرض الواقع، معتبراً أن متطلباتها تكون كبيرة مقارنة بحجم مشاريع المبادرين، إذ يتطلّب الأمر الخوض في تجارب سابقة، وإجراء دراسات ومقارنات دقيقة.
أصحاب الخبرة
وأشار الحسينان إلى أن أغلب الشباب في الكويت يتجهون إلى إنشاء مشاريعهم دون اللجوء إلى أصحاب الخبرة أو الشركات المتخصصة بإعداد دراسات الجدوى والاستفادة من خبراتهم، مما يزيد من حجم المسؤولية عليهم، ويضاعف التحديات التي تواجه مشاريعهم، مشدداً على ضرورة مواكبة التطورات في مختلف المجالات، ووجود ميزانيات مخصصة للتطوير، إلى جانب هامش أرباح يحمي المشروع من الخسائر أو الإغلاق، كما حدث خلال أزمة كورونا.
وقدّم الحسينان عدداً من النصائح للمبادرين، أبرزها أهمية بناء العلاقات والتواصل مع العملاء والمنافسين، والحرص على المصداقية والشفافية مع جميع العملاء من دون استثناء، لما لذلك من دور في بناء الثقة.
المناطق الصناعية
كما أكد ضرورة مراعاة القدرة الاستيعابية للطاقم عند تأسيس الشركة، واختيار الموقع المناسب في ظل ارتفاع القيمة الإيجارية، خصوصًا في المناطق الصناعية، مشيرًا إلى أن خدمات البنك الصناعي أو البنوك المحلية قد تسهم في دعم المبادرين، كما كان لصندوق دعم المشاريع المتوسطة والصغيرة دور بارز سابقاً في ازدهار المشاريع الشبابية، معرباً عن أمله في إعادة تفعيل دوره.
وتطرّق الحسينان إلى أبرز التحديات التي تواجه المبادرين، وعلى رأسها الارتفاع غير المتوقع في القيمة الإيجارية مع زيادة تكاليف المعيشة، إضافة إلى ارتفاع أجور الموظفين بعد السنوات الثلاث الأولى، وهي المرحلة التي يكون فيها المبادر قد تجاوز أصعب مراحل التأسيس.
الركائز الأساسية
من جانبها، أكدت المديرة التنفيذية لشركة نوبراند للملابس، هيفاء مال الله، أن نجاح أي مبادر يبدأ بوجود خطة واضحة وطويلة المدى للمشروع، تتضمن بدائل متعددة تمتد من 6 أشهر إلى سنة، بما يساعد على إدارة المشروع بكفاءة ويوفر رؤية مسبقة للتحديات والفرص المحتملة.
وأوضحت مال الله أن دراسة السوق ومعرفة المنافسين والفئة المستهدفة تعد من الركائز الأساسية لبناء مشروع مستدام، مشيرة إلى أن تكرار الأفكار وتقليد الآخرين لا يصنعان نجاحاً حقيقياً، خصوصاً في سوق واعٍ مثل السوق الكويتي، حيث يتمتع المستهلك بقدرة عالية على التمييز بين جودة المنتجات والخدمات.
خدمة العملاء
وشددت على أهمية الإصرار وعدم التخلي عن المشروع عند أول عقبة، معتبرة أن مواجهة التحديات والبحث عن الحلول يسهمان في بناء الخبرة وتعزيز الثقة بالنفس، كما أكدت ضرورة وضوح الأدوار داخل الشركة، وعدم محاولة صاحب المشروع إدارة جميع التفاصيل بمفرده، بل الاعتماد على فريق عمل قادر على تنظيم المهام، بما يتيح التركيز على رفع المبيعات، مع الحفاظ على جودة المنتج والخدمة.
وتطرّقت مال الله إلى تأثير المنافسة العالمية ومنصات التجارة الإلكترونية على المشاريع المحلية، مؤكدة أن ذلك يتطلب من المبادرين التركيز على خدمة العملاء، والأسعار العادلة، وبناء علاقة طويلة الأمد مع المستهلك، معتبرة أن العميل الراضي هو أفضل وسيلة تسويق لأي مشروع.
إلى ذلك، أكد الشريك المؤسس لشركة ماتس، المهندس عبدالمحسن النومس، أن المبادرين، لا سيما في القطاعين الصناعي والغذائي، ما زالوا يواجهون تحديات حقيقية تعوق نمو مشاريعهم وتحدّ من قدرتهم على خلق قيمة اقتصادية مضافة، رغم التطور الذي تشهده بيئة الأعمال في الكويت.
التمويل الحكومي
وأشار النومس إلى أن التحدي الأكبر يتمثّل في صعوبة الحصول على التمويل الحكومي أو المصرفي، في ظل تعقيد الإجراءات وطول فترات الانتظار، إضافة إلى اشتراطات لا تتماشى مع التوجهات الاقتصادية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل، لافتاً إلى أن توقّف بعض البرامج الداعمة زاد من الأعباء على المبادرين في مرحلة تُعد الأكثر احتياجاً للدعم.
وأوضح أن البنية التحتية الصناعية تشكّل تحدياً إضافياً، في ظل محدودية توفير الأراضي الصناعية بأسعار عادلة، وارتفاع القيم الإيجارية، مما يضعف تنافسية المشاريع الوطنية ويعوق نمو الصناعات المحلية، خصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وشدد النومس على أن تمكين المشاريع الصناعية ليس خياراً، بل ضرورة اقتصادية، مؤكداً أن توفير التمويل، وتسهيل الإجراءات، ودعم البنية التحتية، يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل جديدة، داعياً إلى تبنّي حلول عملية تفتح المجال أمام الجيل القادم من روّاد الصناعة.
المبدعون الكويتيون
وفي سياق متصل، أكدت مؤسسة شركة فنتر ستديو، نادية المسعود، أن المبدعين الكويتيين يمتلكون فرصة كبيرة للمساهمة في تطوير الصورة البصرية للجهات الحكومية والإعلامية، خصوصاً في ظل التحول الرقمي الذي أصبحت فيه الهوية البصرية عنصراً أساسياً في أسلوب التواصل مع الجمهور.
وأوضحت المسعود أن نجاح المبادر في مجال التصميم و»البراندنغ» يتطلب بيئة داعمة تُقدّر الإبداع وتفتح المجال أمام تقديم حلول تعكس تطور الدولة وتوجهها، مشيرة إلى أن فرص التعاون مع الجهات الحكومية لا تزال بحاجة إلى مزيد من الوضوح والتنظيم.
وأضافت أن الاستمرارية في هذا المجال تتطلب تطويراً مستمراً للمهارات، وبناء شبكة علاقات مهنية قوية، والقدرة على التعامل مع ضغط العمل وتفاوت حجم المشاريع، مؤكدة أن فهم السياق المحلي والثقافة المجتمعية يمنح المبدع الكويتي ميزة تنافسية حقيقية لا يمكن استيرادها من الخارج.
وشددت المسعود على أن دعم الإبداع المحلي لا يقتصر على تسهيل الإجراءات، بل يشمل فتح مساحات أوسع للتعاون وإتاحة الفرصة للمواهب الكويتية للمشاركة في بناء الحملات الرسمية، بما يسهم في الارتقاء بالصورة البصرية للدولة بشكل احترافي وحديث.
أخبار متعلقة :