أثار الهجوم الذي يتهم تنظيم “الدولة الإسلامية” بتنفيذه على دورية مشتركة بين القوات الأمريكية والجيش السوري، قرب مدينة تدمر، في 13 من كانون الأول، الجدل على المستويين الميداني والسياسي.
الهجوم أدى إلى مقتل اثنين من أفراد الخدمة العسكرية الأمريكية ومدني أمريكي، وأعاد إلى الواجهة المخاطر المستمرة التي تمثلها خلايا التنظيم، رغم الضربات المتكررة التي تعرضت لها من قبل القوات السورية والتحالف الدولي.
ولم تقتصر تداعيات الحادثة على البعد العسكري فقط، إذ أثارت استغرابًا بين الأوساط السياسية السورية والدولية، لظهور عناصر من وزارة الداخلية السورية برفقة قوات “التحالف الدولي”، بدلًا من عناصر وزارة الدفاع السورية، وهو الأمر الذي اعتُبر غير معتاد بالنظر إلى الطابع العسكري للمهمة المرتبطة بمواجهة “التنظيمات المسلحة”.
وكان تقرير نشره معهد “الشرق الأوسط” للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، في 27 من تشرين الأول الماضي، تحدث عن اتفاقيات عملياتية متعددة بين الحكومة السورية وقوات التحالف الدولي.
وبحسب ما نقله التقرير عن مصدر وصفه بـ”الرفيع المستوى” في مديرية الأمن العام، فإن التنسيق مع قيادة التحالف شمل اتفاقيات عملياتية متعددة، أبرزها:
- تبادل المعلومات الاستخباراتية بين وحدة الاستطلاع التابعة لوزارة الداخلية وغرف عمليات التحالف.
- تقليص الغارات الجوية، وإسناد العمليات الميدانية إلى قوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية.
تفاصيل الاتفاق بيد الطرفين فقط
الواقعة الأخيرة أعادت النقاش حول توزيع الأدوار بين المؤسسات الأمنية والعسكرية في سوريا، وأثارت تساؤلات حول طبيعة التنسيق بين الحكومة السورية والتحالف الدولي، خاصة في مناطق مثل تدمر، حيث يتطلب الوضع الأمني خبرات عسكرية محددة للتعامل مع أي تهديد.
الباحث في “المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة” نوار شعبان، اعتبر أن التكهن بأسباب عدم تولي وزارة الدفاع ملف التعاون مع التحالف الدولي أمر سهل، لكنه غير دقيق، موضحًا أن تفاصيل أي اتفاق مع التحالف لا تعرفها سوى الجهات الرسمية.
وأكد أنه لا توجد أي جهة غير رسمية، سواء من الجانب الأمريكي أو السوري، تمتلك معلومات عن تفاصيل التعاون أو آلياته بين التحالف الدولي والحكومة السورية.
من الناحية التقنية يُفترض أن تكون وزارة الدفاع هي الجهة المعنية بهذا النوع من التعاون، إلا أن لكل حالة وبيئة ميدانية خصوصيتها.
ولفت إلى أن وجود القوى الأمنية في مناطق معينة، مثل منطقة تدمر، قد يكون أكبر، ما يفسر التنسيق معها.
وأضاف أن وزارتي الداخلية والدفاع وزارتان سياديتان تتبعان لدمشق، ولا يرى إشكالية في التعاون عبر أي منهما، متسائلًا عمّا إذا كان يشترط أن يتم التعاون حصرًا عبر وزارة الدفاع، في ظل احتمال وجود اتفاقات أو شروط خاصة بين الطرفين.
وكانت الحكومة السورية أعلنت انضمامها إلى التحالف الدولي في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” بالتزامن مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن، في 10 من تشرين الثاني الماضي.
وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، في 30 من تشرين الثاني الماضي، أن قواتها العاملة ضمن التحالف الدولي وبالتعاون مع وزارة الداخلية السورية، نفذت عملية مشتركة بين 24 و27 من تشرين الثاني، أسفرت عن تدمير أكثر من 15 موقعًا تحتوي على مخازن أسلحة تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” في جنوبي سوريا.
ووفق بيان للقيادة المركزية، شارك عناصر من “قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب” (CJTF-OIR) إلى جانب قوات تابعة لوزارة الداخلية السورية، في رصد وتحديد مواقع التخزين المنتشرة في ريف دمشق، قبل استهدافها عبر سلسلة ضربات جوية وتفجيرات ميدانية نفذتها فرق الهندسة.
عقبات الانضمام
تقرير معهد “الشرق الأوسط” للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، أظهر أن دمشق تدرك وجود عقبات داخلية تشكل تحديات كبيرة أمام الانضمام إلى التحالف، من أبرزها أن وزارة الدفاع لا تزال في مرحلة تكوينية من تطورها المؤسسي، ولا تزال عملية التجنيد في الجيش تعاني من محدودية القدرة على إجراء تحريات سليمة عن خلفيات المنضمين الجدد، ومن ضعف عام في القدرات العسكرية.
هذه التحديات الهيكلية تجعل من الصعب على التحالف الثقة الكاملة بقدرة وزارة الدفاع على تنفيذ عمليات مشتركة، ويتجلى هذا الواقع على أرض الواقع، إذ يتم التنسيق حاليًا بشكل أساسي بين التحالف ووزارة الداخلية، وليس وزارة الدفاع.
الباحث في “المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة” نوار شعبان، أكد أن التصريحات الصادرة عن جهات أمريكية تؤكد التنسيق بين الداخلية والتحالف.
وأوضح أن وزارة الدفاع تضم فصائل مختلفة قاتلت تنظيم “الدولة”، وتمتلك القدرة على مواجهته، في حين كانت وزارة الداخلية، من الناحية التقنية، جزءًا أكبر من الهيئة التي تعاملت مع ملف التنظيم في إدلب، بحكم قدراتها الأمنية والاستخباراتية.
ويرى أن الأمر لا يتعلق بتفضيل العمل مع وزارة بعينها، بل قد يكون مرتبطًا بحالة محددة، سواء في ما يتعلق بالمعلومات أو بالجغرافيا.
وشدد شعبان على أن قرار التعاون مع التحالف الدولي يجب أن يعود إلى دمشق، وليس إلى التحالف، مؤكدًا أن دمشق هي من تقرر ما إذا كانت وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع هي الجهة التي تتولى هذا الملف، وأن ذلك لا ينتقص من مكانة أي منهما، باعتبارهما مؤسستين سياديتين.
حذرنا التحالف
وفي تعليق رسمي على الحادثة، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، لـ”الإخبارية” السورية الرسمية، إن قيادة الأمن الداخلي كانت وجهت تحذيرات مسبقة إلى القوات الشريكة في منطقة البادية، بشأن احتمال وقوع خروقات أمنية أو هجمات متوقعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأضاف البابا أن قوات التحالف الدولي لم تأخذ هذه التحذيرات بعين الاعتبار.
وأشار إلى أن عنصرًا يشتبه بانتمائه لتنظيم “الدولة” أقدم على إطلاق النار عند باب أحد المقرات في بادية تدمر.
وتزامن الأمر مع جولة كانت تجمع بين قيادة التحالف الدولي في سوريا وقيادة الأمن الداخلي في البادية.
وأوضح البابا أن الجهات المختصة تعمل على التحقق من الارتباط التنظيمي لمنفذ الهجوم.
التحقق سيرتكز لمعرفة ما إذا كان مرتبطًا بشكل مباشر بتنظيم “الدولة” أو يحمل فكر التنظيم فقط.
منفذ الهجوم لا يملك أي ارتباط قيادي داخل الأمن الداخلي ولا يعد مرافقًا للقيادة، بحسب البابا.
بدوره، أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن الهجوم كان من قبل تنظيم “الدولة”، ضد الولايات المتحدة وسوريا في منطقة شديدة الخطورة، مؤكدًا أن الرد سيكون حازمًا للغاية.
ونعى ثلاثة أمريكيين، جنديين ومترجمًا مدنيًا، في منشوره عبر منصة “تروث سوشيال”، مضيفًا أن الرئيس السوري، أحمد الشرع، “غاضب ومنزعج للغاية من هذا الهجوم”.
أخبار متعلقة :