بعد نحو شهرين على انفجار غامض دمّر منشآتها الأساسية لصناعة أجهزة الطرد المركزي، كشفت إيران عن البدء في تشييد منشأة بديلة، لكن هذه المرة في موقع أكثر تحصينًا، في قلب جبال إيران الصلبة.
وقال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، إنَّ طهران شرعت في تنفيذ مشروع بناء أجهزة طرد مركزي "متطورة"، وذلك "في قلب الجبال" قرب منشأة نطنز حيث وقع مؤخرًا انفجار في مبنى كان مصممًا لتصنيع هذه الأجهزة.
وشهد أحد مباني المنشأة الواقعة في وسط البلاد، انفجارا في الثاني من يوليو الماضي. وأعلن المتحدث باسم المنظمة بهروز كمالوندي أواخر أغسطس، أن "عملًا تخريبيًا" تسبب بالانفجار، وأن كشف تفاصيله يعود إلى الجهات الأمنية المختصة.
ومنشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، التي اندلع فيها حريقا مطلع يوليو الماضي يقع معظمها تحت الأرض، وهي واحدة من عدة منشآت إيرانية تخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
والثلاثاء، نقل الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء والتلفزيون الإيرانية "إرب نيوز" عن صالحي قوله إنه بسبب هذا العمل التخريبي "تقرر إنشاء مستودع أكثر حداثة، أكبر حجما، وأكثر شمولا في قلب الجبال في محيط نطنز، وبدأ تنفيذ هذا المشروع".
وتابع "بدأنا الأعمال الأولية من خلال توفير التجهيزات ووضع موقع التنفيذ سلسلة من قاعات إنتاج أجهزة الطرد المتطورة، لأن القاعة التي تم استهدافها كانت مخصصة لأجهزة الطرد المركزي المتطورة هذه".
وفي تصريحات نقلتها وكالة "إرنا" للأنباء الأحد، كشف كمالوندي أن السلطات تمكنت من تحديد العناصر المسؤولة عن الحادث في منشأة نطنز. وتعد منشأة نطنز أساسية بالنسبة للبرنامج النووي الإيراني.
وبموجب الاتفاق الذي أبرمته مع الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا في العام 2015، وافقت إيران على وضع سقف لعمليات تخصيب اليورانيوم التي تقوم بها -- والتي تقاس بوجود نظير اليورانيوم المشع (يورانيوم-235) -- عند 3,67 في المئة. كما حدد الاتفاق عدد أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول لتخصيب اليورانيوم عند 5060.
لكن الاتفاق تعرض لنكسة بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2018 الانسحاب منه بشكل أحادي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران. وبعد عام من هذه الخطوة، بدأت الجمهورية الإسلامية التخلي تدريجيا عن التزاماتها بموجب الاتفاق.
ومنذ منتصف العام 2019، رفعت طهران إنتاجها من اليورانيوم المخصب إلى 4,5 بالمئة وهي نسبة تستخدم في المفاعلات لكنها أقل بكثير من المستوى الضروري للاستخدامات العسكرية وقدره 90 في المئة. كما أعلنت طهران أنها تعمل على تطوير أجهزة طرد مركزي أكثر فعالية.
وتتهم إسرائيل والولايات المتحدة إيران بمحاولة تطوير سلاح نووي، وهو أمر لطالما نفته طهران. وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي أن إيران سمحت لمفتشيها بالوصول إلى أحد موقعين يشتبه بأنهما شهدا أنشطة نووية غير معلنة مطلع الألفية الثالثة، على أن يتم تفتيش الموقع الثاني في "وقت لاحق من سبتمبر 2020 في موعد تم التوافق عليه مع إيران".
وذكرت الوكالة الدولية في تقرير منفصل صدر في اليوم ذاته، أن المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصّب يتجاوز حاليا عشر مرّات الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي.
وفي يوليو الماضي، تناول المحلل الإسرائيلي عاموس هاريل تأثير الانفجار الذي وقع في منشأة نطنز على مستقبل البرنامج النووي لطهران، مشيرا إلى أن خبراء يتوقعون أن يتسبب هذا الهجوم في تأخير البرنامج لسنوات.
وفي تحليل نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني، استشهد عاموس هاريل برأي سيمون هندرسون الباحث المخضرم والزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في تأثير هذا الانفجار على مستقبل البرنامج النووي الإيراني.
وقال هاريل إن هندرسون يعتقد أن هذا الانفجار أخرج منشأة نطنز عن إطار التشغيل، وقد لا تمتلك إيران بديلا لتصنيع أجهزة الطرد المركزي، الأمر الذي يؤخر برنامج طهران النووي لشهور إن لم يكن لسنوات.
وأشار المحلل الإسرائيلي إلى أن هذا التقييم يشبه في مضمونه التقييمات الأخرى التي نُقلت عن مسئولين في أجهزة استخبارات مختلفة والتي تشير إلى أن البرنامج سيشهد انتكاسة لعام أو عامين.
والآن بعد تدمير الموقع، يعتمد الإيرانيون على أجهزة طرد مركزية أقدم لتخصيب اليورانيوم من طراز" IR-1"، ولكن هذه الأجهزة لا تستطيع تخصيب اليورانيوم للدرجة المطلوبة لتصنيع قنبلة نووية
ورأى هندرسون أن إيران لا تستطيع العودة إلى تصنيع أجهزة الطرد المركزي الأكثر تقدما " IR-2" المطلوبة لهذا الغرض.