تفاصيل يوم الملحمة..ماذا حدث في كمين البرث؟

الموجز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

استطاع البطل المقاتل العقيد أحمد صابر محمد على المنسي، قائد الكتيبة 103 صاعقة، والذي استشهد ومعه عدد من أفراد الكتيبة في كمين «مربع البرث»، بمدينة رفح المصرية في 7 يوليو الماضي عام 2017، مقدمين أرواحهم ثمنا للدفاع عن الوطن، ولتروي دمائهم الذكية أرض الفيروز، أو أرض الأنبياء كما تسمى أن يخلد بطولة تحكى على مدار التاريخ.

"منسي بقى اسمه الأسطورة"، الجملة الأبرز في النشيد، الذي ردّده جنود الصاعقة المصرية أثناء التدريبات، دون موسيقى أو تأثيرات صوتية، وتداوله الناس مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة، ما دفع قناة فضائية مصرية لإعادة تسجيله، وأضافت إليه توزيعاً موسيقياً ساهم في انتشار كلماته سريعاً.
ما حدث في هذا اليوم أكبر من هجوم إرهابي لجماعة إرهابية، بل كانت موقعة حربية وعملية عسكرية مكتملة الأركان تخطيطا وتمويلا وتنفيذا، معركة نجح فيها جنودنا الأبطال في إفشال مخطط الأعداء، ولم يسمحوا لهم بتحقيق أي من أهدافهم الدنيئة، ولم يمكنهم الأبطال الذين ضحوا بدمائهم حتى آخر قطرة، من أن يكون لهم موطأ قدم في هذه المنطقة الحيوية.«المنسي» لم يكن فقط مقاتلا من طراز فريد، ولم يكن مجرد قائد كتيبة أو أحد أبطال الصاعقة المصرية، بل كان أيقونة في القوة والشجاعة والإنسانية، كما أنه كان في قمة التواضع والخلُق، لا يتحدث عن أي بطولات قام بها، ولا يشغله أي شيء سوى شيء واحد، وهو الوطن .

منطقة «البرث»

موقع قرية البرث الجغرافي في جنوب رفح، بالقرب من المنطقة الحدودية بين رفح والشيخ زويد، وهي بذلك تقع ضمن نطاق المنطقة "ج" في اتفاقية كامب ديفد بين مصر وإسرائيل.

تعتبر قرية البرث معقلًا لقبيلة الترابين، التي أعلنت في وقت سابق حربها على تنظيم "ولاية سيناء"، وأدت معارك نشبت بينهم إلى مقتل القيادي البارز في القبيلة، سالم لافي.

وتبرز أهمية مربع البرث من الناحيتين اللوجيستية والأمنية، في أنه يعد من النقاط التي تربط بين وسط سيناء من جهة ورفح والشيخ زويد من جهة أخرى.

معركة «البرث»

في تمام الرابعة فجر يوم 7 يوليو 2017، حيث كانت الأوضاع مستتبة، والأبطال في أماكنهم، جاهزين للتصدي لأي اعتداء، وإذا بإحدى السيارات المفخخة التي تم تدريعها جيدا وتمويهها داخل إحدى المزارع، تدخل كمين "البرث" برفح، فتعاملت معها قوات الكمين، ولشدة تدريعها، انفجرت قرب الكمين، وخلال دقيقة كانت بقية القوات فى أماكنها، ترد بشراسة على الإرهابيين.


وفى الوقت نفسه كان هناك نحو 12 عربة كروز محملة بالسلاح والإرهابيين، الذين أتوا من جميع الاتجاهات وقاموا بتطويق الكمين بالكامل.

ما فعله المنسي ورجاله من صمود وثبات وقتال عنيف لم يكن إلا سطراً في ملحمة بطولية في هذا اليوم، حيث قاتلوا وردوا على العدوان بكل قوة وشجاعة وثبات ورفضوا أن يقتحم «كلاب أهل النار» الكمين، وأن يرفعوا رايتهم عليه كما أرادوا، فقد كانت نيتهم السيطرة على الكمين ورفع أعلامهم، لذلك أتوا بنحو 100 فرد تكفيري، ولكن استبسال أبطالنا والتصدي لهم، أفشل مخططهم.

وكان ثمن هذا الصمود شهداء وأرواحا صعدت إلى بارئها، بكل شرف وعزة، حيث سقط في هذه المعركة الشهيد المنسي وعدد من رجاله الأبطال، وفى المقابل تم قتل أكثر من 40 تكفيريا وتدمير 6 عربات تابعة لهم على يد أبطال الكمين.لم يخش «المنسي» طوال فترة خدمته في شمال سيناء حتى استشهاده، من التهديدات التي تلقاها من قبل العناصر التكفيرية والإرهابية، ولم يأخذ بعين الاعتبار كل المحاولات التي كانت تحدُث من أجل قتله، لأنه كان مؤمنًا بقضيته، وهي الدفاع عن مصر وشعبها الأبي ومؤمنًا أيضًا برسالته وهي رسالة الأمن والسلام.

فـ «المنسى» ورفاقه، سيكتب التاريخ عنهم الكثير والكثير، كيف لأبطال نجحوا في مواجهة عدد من الإرهابيين، في معركة شرسة بدأت منذ فجر يوم 7 يوليو، حتى الساعات الأولى من الصباح، واجهوا فيها سيارات مفخخة وأسلحة حديثة متنوعة بحوزة العناصر الإرهابية.البطل أحمد المنسي

الشهيد البطل العقيد أ.ح. أحمد صابر المنسي، وُلد في مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية عام 1977 م والتحق بالكلية الحربية و تخرج ضمن الدفعة 92 حربية ضابطًا بوحدات الصاعقة، خدم الشهيد لفترة طويلة في الوحدة 999 قتال وحدة العمليات الخاصة للصاعقة بالقوات المسلحة والتحق بأول دورة للقوات الخاصة الاستشكافية المعروفة باسم "SEAL"عام 2001، ثم سافر للحصول على نفس الدورة من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2006.

حصل الشهيد على ماجستير العلوم العسكرية "دورة أركان حرب" من كلية القادة والأركان عام 2013 وتولى الشهيد قيادة الكتيبة "103" صاعقة خلفًا للشهيد العقيد رامي حسنين الذي استشهد في شهر أكتوبر عام 2016، والشهيد كان مشهودًا له بالكفاءة والانضباط العسكري وحسن الخلق من الجميع وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال.

استشهاد المنسي

استشهد البطل العقدي أحمد المنسي نتيجة إصابته بطلقة رصاص واحدة في مؤخرة الرأس من عيار 12.5 مم، حيث كان "المنسي" فوق سطح المبنى الذي تمت محاصرته، وكان الشهيد "المنسي" في تلك اللحظات يطلق النيران على الإرهابيين من فوق سطح المبنى للدفاع عن الكتيبة وباقي زملائه.

نشيد الصاعقة
ضابط الصاعقة المصري محمد طارق، مؤلف النشيد، ذكر في تصريحات صحفية قصة نشيد الصاعقة، لافتاً إلى أنّه كان صديقاً للشهيد أحمد منسي، وبعد رحيله قرّر، بمساعدة بعض ضباط الجيش، تأليف نشيد حماسي، يسرد بطولات شهداء موقعة البرث.

كتب طارق كلمات النشيد، حين عرف عنه ميوله لكتابة الشعر منذ أيام الدراسة، وسجّل الكلمات بصوته، بصحبة 20 من أصدقائه، وبدأ في نشره على بقية ضباط الصاعقة المصرية، مخلداً أسماء الأبطال الذين سقطوا دفاعاً عن الأرض.

    قاتلوا حتى نفذت ذخيرتهم، فقط لمنع مقاتلي داعش من الحصول على صورة، أو تسجيل فيديو لعدة ثوانٍ

تفاصيل موقعة البرث، وإصرار إرهابيي داعش على مجرّد الحصول على صورة لراية التنظيم، مرفوعة على ارتكاز أمني في قلب الصحراء، يتّضح مغزاه بشدة حين العودة إلى مانيفستو التنظيمات الإرهابية الأشهر، بعنوان "إدارة التوحش"، الذي ينقسم إلى ثلاث مراحل، بداية من إثارة الفوضى، وصولاً إلى التمكين؛ حيث تسعى التنظيمات المتطرفة للوصول إلى السلطة عن طريق حرب العصابات، وإشاعة الفوضى، وبثّ أخبار عن سيطرة التنظيم على مناطق معينة، من خلال تصوير العمليات، ووضع أعلام لدقائق قليلة على بعض الارتكازات الأمنية، أو نصب كمائن لتفتيش المارة لبضعة ساعات، وحين تتحقق إشاعة الفوضى تبدأ عملية إدارة التوحش في تلك المناطق، سعياً لإنهاك القوات النظامية للدولة، وصولاً إلى فرض التنظيمات الإرهابية لسيطرتها بالكامل على منطقة معينة.

على نفس الخطّ، هناك أيضاً العمليات التي يسعى التنظيم لتنفيذها في مناطق مختلفة داخل المحافظات المصرية، مثل حادثة كنيسة حلوان، 29 كانون الأول (ديسمبر) 2017، الحادثة التي شهدات إصرار شخص مسلح للسير بمفرده في الشارع، وهو يطلق النار، قبل أن تلقي قوات الشرطة القبض عليه، وعدة عمليات أخرى متناثرة فى صحراء مصر الشرقية والغربية، وفي محافظتي القاهرة والجيزة.

ويفسّر مانيفستو داعش سرّ تلك الأعمال، التي تبدو في ظاهرها أنّها منفصلة وعشوائية، في حين أنّه يتم استخدامها من قبل الوسائل الإعلامية التابعة للتنظيم، لنشر الفوضى، وخلق مناطق من التوحش، تضعف فيها سلطة الدولة، لصالح تقوية أذرع الجماعات الدينية المتطرفة، وهو المشروع الذي أبطل جزءاً منه جنود وضباط الكتيبة 103، حين ظلّوا يقاتلون حتى نفذت ذخيرتهم، فقط لمنع مقاتلي داعش من الحصول على مجرّد صورة، أو تسجيل فيديو لعدة ثوانٍ، على مشارف قرية البرث، جنوب رفح، على الحدود المصرية الفلسطينية، يستطيعون من خلاله نشر الفوضى، في طريق التمكين المزعوم.
 

0 تعليق