مشروعات مكلفة أم وقف التدهور.. الخليج بين خيارين أحلاهما مر

مصر العربية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تقف دول الخليج على مفرق طرق في حيرة من أمرها، بعد التطورات المتسارعة التي سببها تفشي جائحة كورونا والذي تزامن مع صدمات أسعار النفط التي نتجت في الأساس عن تراجع وانهيال الطلب بسبب الجائحة التي عضت العالم في نخاعه الشوكي فأصابته بالشلل، وإن كان هذا الشلل مقتا، لكن آثاره يبدو أنها ستدوم لفترة طويلة.

 

مفترق الطرق هنا، بحسب محللين، يكمن في استئناف تشييد المشروعات العملاقة، التي كانت في قلب رؤى دول الخليج المستقبلية للتحرر من ربقة النفط، مثل رؤى 2030 في السعودية والكويت والإمارات، وبالتالي المزيد من استنزاف الميزانيات الخليجية المترنحة بسبب تبعات كورونا، أو وقف تنفيذ تلك المشروعات والعمل على محاولة تحسين الوضع القائم، والمتمثل في الحفاظ على نمط معيشي مقبول للسكان، ووقف التدهور المتزايد به، في ضوء العجز الكبير في ميزانيات دول الخليج هذه الأيام.

 

كل طريق له مخاطره

 

المفترق هنا، رغم وضوحه، إلا أنه لا يزال  محيرًا للحكومات الخليجية، ففي حال اختيار استئناف المشروعات الضخمة، سيتطلب الأمر ضخ مليارات الدولارات من الاحتياطيات واستنزاف الميزانيات في مشروعات لها مدى طويل من حيث النتائج، وهي مشروعات استرانيجية للأجيال القادمة في الأساس لتتحرر من قيود النفط.

 

أما في حال اختيار الحكومات إعطاء جرعة مسكنات للوضع الحالي، سيتطلب  الأمر وقف كل هذه المشروعات وتوجيه الميزانيات والاحتياطيات لدعم الأوضاع المعيشية والاقتصادية الآنية، ومحاولة وقف تدهورها، لكن الأمر يعني ببساطة التخلي عن رؤى المستقبل، والتي كانت العمود الأبرز في صلب برامج حكام الخليج الآن، لاسيما المستقبليين منهم، مثل ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، والذي يستعد ليكون ملك السعودية القادم، وتركز تقديه لنفسه على رؤيته المستقبلية للمملكة للتحرر من عوائد النفط غير الآمنة.

 

هل اختارت السعودية؟

 

تحديدا، يبدو الأمر في السعودية شبه محسوم مع إصرار ولي العهد على المضي قدما في المشروعات الاستراتيجية الكبرى والتي تعد هي الأساس لرؤيته التي يسوق عبرها نفسه في السعودية والعالم.

 

وقبل أسابيع، نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن مسؤولين في السعودية قولهم إن ولي العهد أصر على أن المشاريع الرئيسية لرؤية 2030 يجب أن تمضي قدمًا كما هو مخطط لها.

 

وفي تحليل نشره موقع "المونيتور"، يرى "محمود الوهيبي" وهو متخصص في البنية التحتية، أن "محمد بن سلمان" لم فكرة تغيير السعودية للنقاش بين الناس، والأمر هنا متعلق ببنية المجتمع الخليجي القائم على شعور الأبوية الشديد بين الشعب والأسر الحاكمة

 

لكن هذا الشعور في الأساس كان قائما على تمجيد الشعب للأسر الحاكمة، مقابل ضمان هذه الأسر مستوى رفاهية معقول للشعب، وكانت هذه المعادلة هي المسيرة للعلاقة بين الجانبين، وهنا إن اختار "بن سلمان" المضي قدما في رؤيته الاستراتيجية بكلفتها الضخمة، يجب أن يعلم أن تأثر الرفاهية الاجتماعية للسعوديين سيكون أكبر تحد يواجهه، ولن يستطيع معالجة الأمر، على المدى الطويل، بالإجراءات القمعية ومحاولة إسكات أية أصوات معارضة.

 

مشاركة الرأي العام

 

وبشكل عام في بقية دول الخليج العربي، لا يتم الاكتراث بالرأي العام بشأن تطوير مشاريع البنية التحتية أو المشاريع الاستراتيجية.

 

تعد الكويت، الواقعة في أقصى شمال الخليج استثناءً نوعًا ما، لأن البرلمان يلعب دورًا نشطًا في الحياة العامة للبلاد.

 

وعلى سبيل المثال، في العام الماضي، عارض البرلمانيون المحافظون "مدينة الحرير"، وهي مشروع اقتصادي ضخم يتصدر الرؤية الاستراتيجية للكويت.

 

ووفقًا لتحليل "المونيتور"، فإنه في المستقبل، من المتوقع أن تتقلص أنظمة الرعاية الاجتماعية السخية التي تربط المواطنين بالعائلات الحاكمة في عصر انخفاض أسعار النفط.

 

لذلك، قد يجبر الواقع الاقتصادي المتغير دول الخليج المعتمدة على الهيدروكربونات على أن تكون أكثر شمولية.

في يوليو الماضي، على سبيل المثال، ضاعفت السعودية ضريبة القيمة المضافة 3 مرات كجزء من حملة تقشف.

 

ما هي أبرز الحلول المقترحة؟

 

ينقل "المونيتور" عن "الوهيبي" قوله إن تطور العلاقات بين الدولة والمجتمع يمكن أن يؤدي إلى "عقد اجتماعي جديد" يسمح للمجتمعات المحلية بالتعبير عن مخاوفها في كثير من الأحيان، مضيفا: "هناك حاجة ماسة إلى النهج التشاركي".

 

ومع زيادة الالتحاق بالتعليم العالي بشكل كبير، أصبح الشباب في الخليج أكثر وعياً بحقوقهم ويسعون لأن يُسمع صوتهم.

 

الأمر هنا لا يجب أن يتم بالضرورة في إطار سياسي، بل يمكن أن يكون إطارا اجتماعيا في الأساس، ويعتقد أن الأدوات الرقمية التي تدعم مشاركة المواطنين يمكن أن تساعد المسؤولين الحكوميين في الوصول إلى السكان المتأثرين بالمشاريع العملاقة، وهو ما ظهر بالفعل في الإمارات خلال الفترة الماضية.

 

ولكن بعيدًا عن احتمالية تغيير الديناميكيات الاجتماعية، فإن المشاريع العملاقة التي يمولها القطاع العام تعاني أيضًا من التباطؤ الاقتصادي الذي ضرب المنطقة منذ أزمة النفط عام 2014. وفي الخليج، تشكل الموارد النفطية عادة حوالي 80% من الإيرادات الحكومية.

 

واعتبارًا من أوائل عام 2020، مثلت المشاريع العقارية العملاقة في الخليج ما يقرب من 1 تريليون دولار من الاستثمارات، بما في ذلك "نيوم" السعودية وميناء "الدقم" في عمان.

 

يعتقد بعض الخبراء الذين يشككون في جدوى العديد من المشاريع العملاقة أن الركود الناجم عن "كورونا" يجب أن يكون وقتًا لتحسين السياسات الحالية ويفضلون تنشيط المناطق الحضرية الحالية على المشاريع البراقة، والتي غالبًا ما يتم التخطيط لها كبديل للمدن القائمة.

 

الوضع مربك بالفعل، فماذا ستفعل الحكومات الخليجية؟.. لنتظر ونرى.

0 تعليق